الصفحة الرئيسية  رياضة

رياضة قنابل موقوتة وأحزمة جاهزة للتفجير !

نشر في  09 أكتوبر 2014  (15:21)

فقدنا في نهاية الأسبوع الماضي الأخ العزيز والزميل الرائع المغفور له بإذن الله تعالى عبد اللطيف العبيدي، الذي وافاه الأجل المحتوم ثاني أيام العيد إثر حادث مرور حينما كان في طريق العودة من مسقط رأسه بالرقاب إلى العاصمة.. بعد الصدمة كان لابد من قبول الأمر الواقع والإقتناع بأن الموت حق وبأن كل نفس ذائقة الموت، وبأن نفس المؤمن ليست سوى أمانة ستعود إلى خالقها العظيم .. وقد تحوّلت يوم الإثنين رفقة الأستاذ المنصف بن مراد والزميلة سناء الماجري وزوجها ربيع إلى مدينة الرقاب لتشييع جثمان الفقيد إلى مثواه الأخير.. كانت رحلة مثيرة وشاقة اكتشفنا خلالها معاناة الناس في القرى والارياف المتناثرة يميناً وشمالا على طول الطريق.. شباب ضائع، تائه، فيهم من كان يراقب حركة المرور وفيهم من اختار قتل أوقات فراغه -وما أكثرها- بلعبة «الخربقة» وبأشياء أخرى.. تساءلنا ونحن في الطريق عن مصيره، عن مستقبله، عن ظروف عيشه واستحضرنا القيمة والأهمية التي توليها البلدان الغربية بشكل خاص لشبابها..
ففي الوقت الذي تركّز فيها حكومات هذه البلدان جل اهتمامها على فئة الشباب وتوفر لهم الإحاطة والرعاية والتكوين والتعليم والصحة تحت اٍشراف مسؤولين وقيادات سياسية واعية ونزيهة بهدف الوصول بهم الى مراتب التألق والتفوق وعلوّ الشأن، ليكونوا مساهمين فيما بعد في نهضة أوطانهم ونموّها وتقدمها، نلاحظ أن شبابنا مازال إلى اليوم يعاني من التهميش والتجاهل والظُلم وكأن هناك مخططا لإيقاف عجلات التنمية في هذا الوطن والقضاء على الأحلام من خلال سياسة التهميش هذه التي تطال الشريحة الأبرز والأقوى والأكثر عددا وتأثيرا في البلاد.
إن هذه السياسة الإقصائية لهذه الفئة ومحاولات تجاهلها وتمييعها وتغييبها وتهميشها من قبل الطبقة السياسية التي لا تتذكرها سوى في المواعيد والحملات الانتخابية، أفقدت الشباب لذة الحياة وبات عدد كبير منه يخيّر رمي نفسه في البحر للحرقان بحثا عن شغل أو يشعل في نفسه النار هروبا من واقع مرير، أو يلجأ إلى الزطلة والمخدرات وكل المواد والمشروبات التي يمكن أن تنسيه مشاكله وهمومه ولو إلى حين.. بل الأخطر والأدهى من ذلك أن هذا الشباب أو عدد كبير منه أصبح فريسة سهلة للارهابيين والجماعات الإرهابية التي تسعى لاستغلال ضعفه وتشرّده وبطالته وفقره ويأسه ونقمته على الحياة ومنها، لترويضه واستقطابه ليكون مشروع إرهابي يفجّر نفسه ويقتل الأبرياء، وليكون بالتالي قنبلة موقوتة وحزاما ناسفا جاهزا للتفجير في أية لحظة.
إن من يزور هذه المناطق الفقيرة والاحياء الشعبية ويقف على معاناة هذه الشريحة العمرية وضياعها وانسداد الآفاق أمامها يجد الإجابة ضافية وشافية عن الأسباب التي تؤدّي بهؤلاء إلى التطرّف والارهاب ، ذلك ان البطالة والفقر والحاجة للمال لاشباع الحاجات المادية والمعنوية او تحقيق الذات التي لا تتوفر لدى الفقير او العاطل أو المتشرّد تدفع الفرد للانحراف والانتماء لهكذا تنظيمات لاشباع حاجاته والخروج من فقره وخصاصته أو بهدف الدخول إلى الجنّة مثلما يروّج له ذلك أفراد الجماعات الإرهابية الذين يتولّون عملية غسل دماغه وتطويعه ليصبح مشروع إرهابي «بامتياز» يقتل الأبرياء بغير حق ويرفع السلاح ضد الدولة... علاوة على الأسباب الاجتماعية التي تمثل ارضية خصبة لاصطياد الشباب الضائع واستقطابه، هناك الاسباب الفكرية او العقائدية التي تلعب دورا أيضا في عملية الاستقطاب، فانغلاق المجتمع على ذاته وغياب الأفكارالتقدمية والحضارية والتفتح على الثقافات الأخرى يُمهّد لمجتمع منغلق تشيع فيه الاراء و الافكار المتزمتة التي تلغي الاخر وتحرمه من حق الحياة، وهذا ناتج عن فهم خاطىء للدين وللحياة ككل..
والثابت أن الأسباب الاجتماعية المتمثلة في غياب العدالة الاجتماعية هي التي تدفع بالعديد من الشبان إلى الضياع والنقمة على المجتمع وعلى الدولة وبالتالي فإن الارهاب في النهاية هو ظاهرة اجتماعية تنشأ نتيجة تلك الأسباب التي ذكرناها آنفا وتختفي بزوارها، ولمكافحته لابد أولا من النظر إلى جوانبه المتعددة والقيام بالاصلاحات السياسية والثقافية والتعليمية والاقتصادية وتحسين الأوضاع الاقتصادية السيئة التي جذبت الشباب الى التنظيمات المتطرفة، وتستوجب من السياسيين الذين يخوضون حملات مسعورة قبل الانتخابات التشريعية والرئاسية أن يكفّوا عن مخادعة الشعب وعن الشعارات الانتخابية الفضفاضة الرنّانة وأن يذهبوا إلى تلك المناطق داخل الجمهورية ليقتربوا إلى الناس ويستمعوا إلى مشاغل الشباب ويطلعوا عن قرب على واقعهم وظروفهم ومعاناتهم لانقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن يقع استقطابهم ويصعب فيما بعد استعادتهم واجتثاث العنف والارهاب من عقولهم وافكارهم..

بقلم : عادل بوهلال